الفلسفة في لفظها تعود إلى كلمة إغريقية من جزأين ( فيلوسوفيا ) ؛ فيلو- وتعني محبة أو حب ، سوفيا – وتعني الحكمة . ولو عدنا إلى معنى الحكمة في معجم الوسيط سنجد عدة معانٍ لها ، منها ما يتعارض مع معنى الفلسفة المعروفة ومنها ما يتوافق معه .
مما يتوافق مع معنى الفلسفة :
العلم :
فالعلم هو المعرفة ، والفلاسفة لا يعملون عقولهم تساؤلًا وبحثًا وتحليلًا إلا سعيًا وراء المعرفة في أًصل كل الأشياء . والعلم إدراك الشيء بحقيقته ، وكذلك الفلاسفة يحاولون إدراك حقيقة الأشياء . والعلم هو اليقين – أي انقطاع الشك – وما الفلسفة عملية تعتمد على الشك للوصول إلى اليقين.
وصحيح أن الفلاسفة يختلفون عن العلماء ، ومخرجاتهم أقل ثقة من مخرجات العلماء ، لكن ذلك لا يدل على اختلاف معنى كلمة الفلسفة ( الحكمة ) ومعنى العلم ، إنما العلماء يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على التجربة والتطبيق واختبار الفرضية ، أما الفلاسفة فلا اعتماد لهم على ذلك بقدر اعتمادهم على تحليلات عقولهم وحدسهم الخاص .
العلة :
فالعلة تعني السبب ، وأفكار الفلاسفة دائمًا ما تجري خلف إيجاد واستكشاف الأسباب والتوصّل إلى أكثر الاسباب اقناعًا – لهم على الأقل – . والعلة تعني المرض الشاغل ، والكثير من الفلاسفة نجدهم مهووسون بفلسفاتهم ومناهجهم في إخراج فلسفاتٍ خاصة بهم ، محاولين سد باب التساؤلات المتزايدة في عقولهم حول الأشياء بإيجاد ما يفسّرها كفايةً .
ومما يتعارض مع معنى الفلسفة :
العدل :
والعدل في اللغة العربية ضد الظلم ، والظلم من معانيه وضع الشيء في غير محله ، وإن جئنا للفلسفة ونظرنا إلى مخرجاتها ومناهج الفلاسفة فيها ، سنجد مناهجًا ونتائجًا واضعةً الأشياء في غير محلها ، فللعدل وجه واحد وهو الإنصاف بدقة ، وللإنصاف شرط حتى يتم ، وهو وجود الدلائل والبراهين ، واختلاف الفلاسفة – على سبيل المثال – في أصل الإنسان يدل على إخلالهم بمسألة العدل ، وبالتالي فإن الفلسفة المتعارف عليها – من هذا المنظور- لا تعد من محبة الحكمة.
الكلام الذي يقل لفظه ويجل معناه :
وقلة اللفظ تعني الإيجاز ، وجلالة المعنى تعني قوته وعظمته ، وهذا معنى آخر من معاني الحكمة يخالف معنى الفلسفة المعروفة ، فالفلسفة وإن عظمت معانيها إلا أنها ما كانت يومًا موجزة ، فإن أطلق محبو الفلسفة كلمة فيلسوف على إنسان ما ، فقد أطلقوها لمخرج مطول مشروح بتفاصيل كثيرة ، تبين بدقة ما توصل إليه في فلسفته.
ومن هذه المعاني الأربعة للحكمة نجد أن الفلسفة المتعارف عليها – وإن كانت تتطابق مع معنى الحكمة في العلم والعلة – إلا أن تعارضها مع معنى العدل والإيجاز يظهر بأن مصطلح الحكمة إغريقي الأصل ( الفلسفة ) ليس مناسبًا لما اشتُهِر يبننا كعلم الفلسفة ، أو أن أقسامًا معارضة لمعنى الحكمة أصبحت دخيلة على علم الفلسفة ، رغم خلوها من المعنى الصحيح للحكمة ، ونظرًا لذلك قد نطلق على الحكيم فيلسوفًا لمحبته للحكمة علمًا وعلة ، ولكن من الخطأ أن نطلق على الفيلسوف حكيمًا لفقده الإيجاز والعدل في مخرجاته الفلسفية .
رأي واحد حول “[ العلاقة بين الفلسفة والحكمة ]”