Artist: GIRISH CHANDRA
الانطباع، ما معنى الانطباع، وعلى أي أساس يكون المرء انطباعًا عن أحدهم ؟ على أساس الصور السابقة التي احتفظت بها ذاكرته، أم خيالاته، أم تغذية اجتماعية علمية كونية لا تشترط تجاربه الخاصة.
التقدير، متى يكون، وما الداعي له، ومن يستحقه، ولماذا ؟ إلى أي مدى نحسن اختيار من نقدر ؟ أو ما معنى التقدير حتى ؟
الاحترام، هل هو ضرورة أم مكرمة ؟ عندما تشكر على احترامك هل لأنك قمت بالواجب أم لأنك تفضلت بما لا يجب ؟ هل هو فطرة أو اكتساب ؟ ما الذي قد يتعطل على هذه الأرض دون الاحترام ؟
التحية، من اخترعها ؟ لمَ وجدت ؟ هل حقًّا ما زالت تؤثر على العلاقات تأثيرًا إيجابيا وتفشي المحبة وما إلى ذلك أم أنها مجرد بروتوكول ؟ إن كان المرء منا يعلم بأن أحدهم حياه مجاملةً وبدون صدق فلمَ قد يغضب عندما لا يحييه في يوم ما فيفتعل مشكلة تجاه ذلك اللافعل ؟
صف إنسانًا ما بصفات معنوية غير شكلية، مواصفات فكرية عاطفية اجتماعية روحانية أخلاقية، على سبيل المثال وبعشوائية وارتجال، لنفرض أن فلانًا من الناس: كريمًا، صادقًا، محترمًا، لبيبًا، فطنًا، ملتزمًا، ودودًا، متعاونًا، عنيدًا، هجوميًا، فوضويًّا، مجنونًا، غير منطقي، أفلاطونيًّا، مبدعًا؛ على أي أساس أطلقنا عليه هذه الصفات ؟ هل كان من الممكن أن نصفه بما وصفناه به إن لم يكن فردًا من مجتمع ما ؟
كرمه لأنه أعطى إنسانًا آخر، صدقه لأنه لم يكذب على إنسانٍ آخر، احترامه لأنه احترم الآخرين، لبابته لأنه يفهم الناس من كلمة أو من أول مرة وهكذا، فطنته لأنه أدرك شيئا ما غالبًا ما يكون من اكتشاف أو فعل أو صنع أو قول الإنسان، التزامه الأخلاقي كان بحسب ما أملاه عليه الناس أو بحسب ما فهم منهم أو وجده فيهم، والتزامه الديني لالتزامه بما بلغه به إنسان آخر، ودادته لأنه يلج سريعًا إلى قلوب الآخرين، تعاونه أي مع الآخرين، عناده أي مقابل الآخرين في غالب الأحيان فلا يرضخ بسهولة لأمرهم أو لآرائهم، هجوميته أي تجاه الآخرين ، فوضويته بحسب قوانين الآخرين، جنونه بحسب تقدير الآخرين ومقارنة بهم، اللامنطقية بحسب انطباع الناس عنه لأنهم لم يدركوا فكره مثلًا، أفلاطونيته، حسنًا يكفي أنها صفة تحمل اسم مبتدعها، وإبداعه لأنه ابتكر ما لم يبتكره الآخرين وفكر خارج صناديقهم.. إذن الإنسان لا يمكن أن يحمل صفات جوهرية إلا بوجود الآخرين، فحتى استقلاله كان لأنه استقل عن الآخرين.
الإنسان كالمجتمع، مكون من أفراد، تصور معي شلالات محيطة بمنطقة ما جافة، ألن تكوّن بحيرة ؟ كل شلال منها هو بحيرة بحد ذاته تنسكب من جهة واحدة أو من أكثر من جهة لتساهم بتكوين بحيرة جديدة، بعيدًا عن كون الإنسان يلده إنسان مثله، ويعلمه إنسان مثله، ويربيه إنسان مثله، إن الإنسان بلا صفة حقيقية ما لم يكن جزءًا من الناس وما لم يكن الناس جزءًا منه كذلك.
حسنًا، لنعد إلى العناصر الاجتماعية السابقة: الانطباع، التقدير، الاحترام، التحية.
الأولى تشذ عن البقية ولكنها الغلاف الذي يحيط بهم، فإن التقدير مقياسه ليس إلا انطباعًا من المجتمع أو أحد أفراده، والاحترام كذلك، والتحية نوعها ووقتها ووجودها من عدمه يعطي انطباعًا كذلك، ولنفرض أنك مثاليٌّ جدا، وأرضيت كل أصناف المجتمع، فمن يحبك بخيلًا كنت بخيلًا معه ومن يحبك كريمًا أكرمته، ومن يحبك فقيرًا لم تظهر له سوى فقرك ومن يقدرك غنيًّا أظهرت له غناك، ولنفرض أنك بطريقة إعجازية استطعت أن ترضي كل كائن بشري على هذه المعمورة فبرأيك ما الصفة التي قد يتفق عليها الجميع ؟ مثالي ؟ مسالم ؟ عظيم ؟ سيتفقون على كونك إنسانًا إيجابيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى بالنسبة إلى كل واحد منهم، ومن يظن أن المثالية صفة الملائكة سيكاد يجزم بأنك من أهل السماء، لكن ما الذي جعلهم يرونك بهذه الطريقة ؟ أظن أنه الغرور، النرجسية، الأنا، رغبة النفس بأن يسير كل شيء على ما تحبه هي وحدها دون الاكتراث بالآخرين، وحتى عندما تهتم بالآخرين وما يريدون إلا أنها تبقى لا ترى الشيء رائعًا ما لم يكن على “مزاجها”.
– حسنًا، إذًا ما المثالية ؟ ما السلام ؟ ما العظمة ؟
إن المثالية بالنسبة للمرء هي الكمال وعدم النقصان، ووحده من يحدد أي كمال يقصد وما المعايير التي تنقصه. وإن السلام بالنسبة للمرء هو ما لا يتعرض إليه بالأذى قبل أي أحد آخر، والسلم من السلام. أما العظمة عند المرء هي ما يفوق توقعاته بشكل غير متوقع.
إذًا فحياتنا كلها هي من صنع الآخرين، ونحن من صنع الآخرين، ولا يجب علينا أن نكون ضحايا هنا، فإننا نحن أيضًا جزء من صنع حياة الآخرين أو صنعهم أنفسهم.
– الخلاصة: إن الفرد مجتمعٌ كما أن المجتمع فردٌ !