مرحبا..
منذ ذلك اليوم وحتى الساعة وفكرتك لا تنفك عن التردد على ذهني، أعني، عندما قلت لي بأننا أقوياء بين الناس وخاصة المقربين منا، أقوياء ونخفي ضعفنا لنحميهم من علامات انكسارنا.
صحيح، ولكن… ألم تمر بك ليالٍ شعرت فيها بأنك في جوهرك محطم وهش وفارغ لا يملؤك سوى الركام والرماد، وتود لو أن أحدهم يشعر بضعفك ويراه ويدركه، دون أن تطلعه على ذلك بنفسك ؟
طبعًا، لأنك تضع حاجزًا دائمًا بينك والآخرين، فمهما كنت واضحًا معهم إلا أنك أحيانًا تكون بحاجة ماسة إلى الإفصاح عن مكنونك ولكنك لا تستطيع، ليس كبرياءً منك ولا لتؤثرهم على نفسك بالهناء، كل ما في الأمر أنك لا تعرف كيف وأين ومتى ومع من يمكنك ذلك.
تحتاج بشدة لأن يدرك شخص ما مدى وهنك، أي شخص، على أن يكون شخصًا لو بكيت أمامه تقبلت منه العناق، وإن ابتسم لك أو تحدث معك أشعرك بالأمان.
لربما كنت على معرفة بثلةٍ ممن يناسبهم هذا الدور في تلك اللحظة، ولكنك تتمنى وجود غريب قريب لا يرجو منك شيئًا، يهمك وتهمه، بطريقة غريبة، وبأنانية منك تجعله يدرك الضعف الذي فيك، شخص قويّ لا يتأثر بك سلبًا أبدًا، لكنه يشعر به ويفهمه كما لو كانت أنت.
كأن جرحك أو ألمك أو أيًّا كان ما يهلكك يقف في حفرة دفينة بداخلك وعميقة وربما لانهائية، يقف هناك ويصرخ بأقوى صمت قد يزلزل الكون بأكمله: “أنا هنا، أنا هنا ولكنني لا أظهر، أنا هنا ولكنني لا أظهر حتى وإن رغبت في ذلك فإني أظل عالقًا عاجزًا عن الخروج، لأني حبيسٌ بين روح وجسد شخص على الرغم من ضعفه قوي، وينسى أنه رغم قوته ضعيف”.
هذا ما أشعر به، وأكتفي بوصفه هنا، بأحرف، وكأن الحرف درعٌ يحميني من الوضوح، لا أبحث من ورائه عن حل ولا أطلب النجدة، فقط أتركُني وشأني للثواني، للساعات، للسنين، لعل يومًا شافيًا قد يجيء وتشرق علي شمسه، يومًا أراه بعيدًا جدا جدا عني، ليس لأني لا أستحقه ولكن لأني أعرفني جيدًا، ولا أدري إن كنت أحب هذا الشيء فيني أو أكرهه، ولكني أدرك أنه يبقيني على قيد الحياة، وإن كنت على قيدها وحيدة ومتعبة.