
المصدر | ترجمته عن الإنجليزية: سارة خالد
في مجتمعاتنا، دائما ما نتضور توقًا للمشاعر الإيجابية فقط لا غير، كالسعادة والمرح والامتنان والسكينة والسلام. ونرى الحزن أمر خاطئ وغير صحي، لذا فعندما يخالجنا الحزن نعتقد أن السماح لأنفسنا بالشعور به أمر خاطئ مضر بالصحة.
نحن ننظر للحزن على أنه أمر غير مثمر ولا فائدة منه، لكنَّ “الحقيقة هي أننا لا ندرك المغزى من الشعور بالحزن”، كما قالت لينا ديكن1.
قد ينتابنا أيضًا الخوف من الشعور بالحزن، وهو أمر مفهوم جدًّا.. “فلو كانت الكثير من الأحزان ناتجة عن كوارث أصابتنا أو عن خسارة شخص أحببناه، فمن الممكن ألا نتحمل هذا الشعور، وكما لو كنا واقعين في حفرة لا قاع لها ولا نهاية.”
كما أننا اليوم نقط تحت ضغط “ضرورة التظاهر -على الأقل- بالسعادة”، كما تقول زوي كان2 والتي ترى أن منصات الترفيه والتواصل الاجتماعي تلعب دورًا جوهريًّا في تكوين هذه الفكرة. نرى اليوم -مثلًا- ملابس يُكتب عليها “مشاعر إيجابية فقط” وصورًا تعبيرية على منصات التواصل الاجتماعي تحتوي على اقتباسات عن السعادة مثل: “اختر أن تكون سعيدًا”. إن الناس لا يرغبون في أن ينظر إليهم وكأنهم “متشائمين” أو “أشخاص سلبيين”، كما تقول كان. مما يعني أننا نحتفظ بأحزاننا لأنفسنا بعيدًا عن الناس، أو حتى نحفظها بعيدًا عن أنفسنا.
وفي نهاية الأمر، نرى الحزن كشعور يجب علينا تجنبه بأي ثمن كان، لذا نحاول ذلك مهما كلفنا الأمر. تقول جوي مالك3: “إن معظمنا لم يتعلم إظهار حاله الحقيقية عند شعوره بالحزن والإحباط، دون تصنع، لذا يكون تجنب هذه المشاعر -بالنسبة إليه- هو الطريقة الوحيدة لتسكين آلامه.”
إننا قد نشأنا في مجتمعاتنا -كما ترى كان– على أن “نتخطى الأشياء فحسب” أو أن “نستجمع قوانا دائمًا”، لذا فقد أصبح من المنطقي أن نميل في المقام الأول إلى تجنب تجربة شعورنا بالحزن (أو أي شعور سلبي آخر) لنكون بذلك أشخاصًا مرنين.
تقول ديكن إن الناس قد يفعلون “أي شيء ممكن، تقريبًا” في سبيل تجنبهم الشعور بأحزانهم. على سبيل المثال، يلجأ الكثيرون إلى الغضب. “إن الغضب يعطينا شعورًا مزيفًا بالهيمنة ويوهمنا بأننا مسيطرين تمامًا على مشاعرنا.
إن البعض -بحسب ديكن– يركز على تغيير معتقداته والتحول إلى شخص متفائل، لكن ذلك يعد إخفاءً للحزن في مكان بعيد عن العين، كمن يدس الغبار تحت البساط، بمعنى “أنك تحصل في نهاية الأمر على كومة من المشاعر غير المعالجَة، ثم تكون مجرد مسألة وقت حتى تتسرب هذه المشاعر من تحت ستارها إلى نصب عينيك فترغمك على التعامل معها.”
يقول الكثير من عملاء كان إنهم يتجاهلون الشعور بالحزن من خلال مشاهدة التلفاز أو النوم لساعات طويلة أو معالجة أنفسهم (بتناول الطعام والمواد الغذائية) أو العمل لساعات طوال أو الانصباب على العديد من المشاريع. “أخبرني الكثير من عملائي عن ملء ساعاتهم اليومية بالملهيات أو المشتتات التي من شأنها أن تبقيهم منشغلين فيستطيعون بذلك تجنب الشعور بالحزن”.
قوة الحزن
لكن الحزن -في الحقيقة- أمر جيد، فهو شعور مهم وضروري، يحتاج منا لاستقطاع بعضًا من الوقت والإنصات إليه.
تقول مالك إن الحزن “تعبير الروح عن معلومات قيّمة حول تجاربنا واحتياجاتنا”، وإنه أولى الخطوات لريّ تعطشّنا الشديد لتلبية حاجات النفس وما تفتقده في الحياة.
وتشير كان كذلك إلى أن الحزن دليل على وجود الرغبة في تغيير شيء ما، وعلى وجود فرصة متاحة للاغتنام وللتعرف على أنفسنا بعمق. “قد يكون الحزن نداء الروح لتسليط الضوء على حقيقة مدفونة في اللاوعي أو حقيقة لطالما خشينا مواجهتها.”
تذكر كان بعض الأمثلة حول هذا الأمر: عندما نشعر بأننا وحيدون تبدأ رغبتنا في التواصل مع الآخرين أكثر من السابق والحصول على حياة ثرية بالعلاقات الاجتماعية، وعندما ندرك اضطراب العلاقة العاطفية نشعر بحاجتنا لبدء جلسات علاجية لإنقاذها أو بضرورة لإنهاء هذه العلاقة، وعندما ندرك أن عملنا يستمر بالفشل، نشعر بضرورة البحث عن بيئة عمل أفضل أو بالحاجة لتغيير المهنة. بتعبير آخر، إن الحزن قادر على إرشادنا للطريق الصواب نحو حياة هادفة ومترابطة ومُرضية.
تقول مالك: “أحيانًا عندما يصيبنا الهم لفقد عزيز، يذكرنا حزننا بأننا بشر، وبأننا بحاجة إلى تلقي العزاء والدعم المعنوي والحصول على المساحة الكافية للحداد.”
يعبر هذا الحزن عن قوة العلاقة وعن مدى حبنا للفقيد. وهو ما أشار إليه جيمي أندرسون4 في هذا النص الجميل:
” تعلمت أن الأسى -في حقيقته- حب.
إنه كل الحب الذي ترغب بأن تمنحه ولكنك تعجز عن ذلك.
كلما أحببت أحدهم زاد حزنك عليه.
إن الحب غير المُعطى يجتمع كله في زوايا عينيك
وفي ذاك الجزء من صدرك، المصاب بشعورٍ أجوف فارغ.
إن سعادة الحب تتحول إلى حزن ما لم يُبذل.
والأسى، ليس إلا حبًّا بلا وجهة.
لقد استغرقني الأمر سبع سنوات لكي أدرك أن الحزن
هو طريقتي لإخبار هذا الفضاء الواسع أن الحب ما يزال يقيم معي، هُنا..
سأبقى أحزن دائمًا على فراق أمي، لأني سأحبها دائمًا.
ولن يتوقف ذلك، فهذه هي سنّة الحب. “
إن كبت الحزن (أو أي شعور آخر) لا يمحيه، بل يُبقيه -بدلًا من ذلك- حتى يظهر بطرقٍ تضر بالصحة. تقول ديكن: “إن قمع المشاعر قد يتسبب بأي نوع من أنواع الإدمان”، والتي قد تتضمن الإدمان على الكحول أو القمار أو التمارين الرياضية لكبح المشاعر.
إن كبت أحزاننا يتحكم بتصرفاتنا في العلاقات الاجتماعية بطريقة قد تؤدي بنا إلى فقدان الشعور بالترابط مع الآخرين. قد نصرخ في وجه من نحب بكلمات قاسية، قد نتحول معهم إلى أشخاص ساخرين ومتهكمين: ها! يبدو لي ذلك أمرًا جيّدًا. تهانينا!
الشعور بالحزن
إن كنت قد تجاهلت حزنك، فسيبدو الشعور به شبه مستحيل. ولكن، هناك وسائل تسهّل عليك الأمر. تقول مالك: “إنه من الصعب أن يواجه المرء حزنه بمفرده، والحزن بطبيعته يتكاثر في العزلة”، ولهذا السبب، تقترح مالك العمل على حد المشكلة مع مستشار أو معالج، أو اللجوء لصديق تثق به. ” إننا كثيرًا ما لا ندرك أن مجرد التحدث جهرًا عن أحزاننا لصديقٍ يهتم لأمرنا ومستعد للإنصات لنا، هو دواء بحد ذاته.
تقترح ديكن أن تضع موسيقى تثير عواطفك، وتشعل شمعة، وتتواجد والمشاعر التي تظهر بداخلك أيًّا كانت. وتفكّر فيما قد يكون السبب وراء تلك المشاعر. “جرب ألا تلهي نفسك عن مشاعرك باستخدام هاتفك الجوال أو بمشاهدة التلفاز، لكن -في الوقت ذاته- كن منتبهًا للرغبة بالالتهاء متى ما اجتاحتك.
تشجع كان عملاءها، عندما يبدؤون بتسكين أحزانهم، على أن يركّزوا -أولًا وقبل كل شيء- على التعاطف مع ذواتهم والاهتمام بها، بمعنى أنها تشجعهم على دعوة الحزن “كما لو كان صديقًا لديه من الحكمة ما يود مشاركته”، وتقترح أيضًا أن تحاول استكشاف مواطن الحزن، وإن لم تبدُ في البداية واضحة.
هذا يعني “أنه عليك أن تقوم على رعاية نفسك بطرق من شأنها أن تخلق لك بيئة تساعدك على استكشاف أحزانك وفهمها.” تقول كان إن عليك أن تسأل نفسك باستمرار قبل فعل أي شيء: “هل القيام بهذا الأمر يدل على محبتي لنفسي؟” هل اختياري لاحتساء كأس روحاني الليلة يعبر عن حبي لذاتي؟ هل الخلود إلى النوم مبكّرًا دليل على ذلك؟ أم أن السهر على مواقع التواصل الاجتماعي هو ما يعبر عن هذا الحب؟
بإمكانك أن تكتب يومياتك، أو أن تستمع إلى جلسة تأملية، أو أن تتواصل مع الطبيعة بالمشي وربما لمسافات طويلة.. تشدد كان على أهمية اكتشافك أي الأنشطة قد يؤتيك بأفضل النتائج، فقد يكون نشاطًا مختلفًا عن الكتابة والتأملات والتنزه.
ذكّر نفسك أن الحزن لا يدوم، ففي النهاية -كما تقول مالك– “تمر بنا المشاعر وتزول عنا، ولو ألقينا نظرة على ما مضى من حياتنا للحظنا -قبل كل شيء آخر- وجود أوقات سعيدة، ولحظات ملهمة، وعلاقات اجتماعية يسودها التواصل.”
كما ينبغي أن تتذكر دائمًا أن للحزن حكمة، فإنك عندما تجتمع بحزنك ستدرك كمية القصص التي يحملها إليك، قصص عن احتياجاتك، قصص عما تتوق إليه، قصص عمن تحبهم ولن تتوقف عن محبتهم أو الاشتياق إليهم أبدًا. ستجد عنده قصصًا عميقة المعنى في انتظار استكشافك لها واستخدامها بطريقة تساعدك على اتخاذ قرارات مهمة في حياتك.
1| لينا ديكن، مساعدة طبيب نفساني، ومؤسسة جلسات “سولتووتر” العلاجية المعتمدة على استحضار الذهن أثناء ركوب الأمواج.
2| زوي كان، أخصائية اجتماعية، صاحبة عيادة شرق لوس أنجلوس.
3| جوي مالك، استشارية أسرة وعلاقات زوجية، متخصصة في العمل مع الأشخاص الحساسين جدا والمتعاطفين، الذين يمتازون بالإبداع وقوة الحدس.
4| جيمي أندرسون، كاتب بريطاني.
المصدر | ترجمته عن الإنجليزية: سارة خالد
ي هلا بالإبداااااع
نورتي
إعجابLiked by 2 people
الله يسلمك، ممتنة لك
سررت بالمتابعة..
إعجابLiked by 1 person