العنوان: ما الإنسان
المؤلف: مارك توين
المترجم: كنان القرحالي
الطبعة: الثالثة – 2018
الدار: دار كلمات للنشر والتوزيع
تقييمي: 4.5/5.0
“من المهد إلى اللحد، لا يقوم الإنسان بأي عمل إلا ويكون دافعه الأولي والوحيد هو أن يضمن راحة باله وطمأنينة نفسه.”
الإنسان مشكلة الإنسان الأولى، كل فلسفة عميقة تصب في شأنه.
مقدمة: يتناول الكتاب أهم سؤال عن الإنسان “ما الإنسان ؟”، ويناقش المؤلف في حوار بين شاب وشيخ ماهية الإنسان وماهية كل من عقله وضميره وأخلاقياته، وأي الطرفين يحكم الآخر؛ الإنسان أم أجزاؤه، وما إذا كان الإنسان قادرًا على الاختراع وإحداث شيء من العدم. قبل أن أتحدث عن رأيي في المحتوى والكتاب بصفة عامة، أطرح بين يديكم تلخيصي للكتاب.
ملخّص:
1- إن الإنسان آلة مسيرة وغير قادرة على الابتكار، أما الإنسان المميز عن غيره فهو من استطاع جمع المؤثرات الخارجية أكثر من غيره. ما أفكار الإنسان إلا تجميع لما شهد في حياته فلا يحق له أن يفخر بشيء أنتجه.
2- لا يُخلَق الإنسان بضمير ميّال إلى الخير أو الشر على حد سواء، بل يُدرَّب بحسب رغبة صاحبه المحدودة فلا سلطان تام للإنسان على ضميره، بل العكس، فكل ما يفعله الإنسان هو لإرضاء هذا الضمير -السلطان- قبل أي سبب آخر. فعل الخير يعود أولًا لعدم رغبة الإنسان بالشعور بتأنيب الضمير، وفعل الشر يعود أولًا لرغبة الإنسان بالتلذذ بنشوة ممارسة هذا الشر، وكل الدوافع الأخرى لفعل شيء ما ليست سوى دوافع ثانوية، أما الدافع الرئيسي هو إرضاء النفس حتى وإن كان بالتضحية بها.
3- إن الضمير غير ثابت، هو في كل أحواله يقصد فعل الصواب -أي ما يراه حينها صوابًا-، وصواب اليوم قد يكون غدًا خطأ، أي أن صوابه ليس ثابتًا بالضرورة، كما أن الصواب بالنسبة لضمير إنسان ما يختلف عن صواب ضمير الإنسان الآخر. إن المؤثرات الخارجية تؤثر على هذا الضمير فتغير بشكل تدريجي أو غير مباشر صوابه إلى خطأ وخطأه إلى صواب.
4- إن فعل شيء ما بدافع الالتزام بالواجب هو في المقام الأول بهدف إرضاء النفس التي تدربت على اتخاذ هذا الأمر كواجب عليها، فإن كان الواجب واجبًا على الجميع ولكن لم يعمل به البعض فإن ذلك يعود إلى اختلاف تكوينهم أو تدريبهم الذي صرف نظرهم عن ممارسة هذا الفعل أو الالتزام بالواجب من أجل ممارسة شيء آخر يرونه أولى بالتطبيق ويضمن لهم رضاهم عن ذواتهم بشكل أكبر من الالتزام بالواجب.
5- على الرغم من وجود صفات شخصية فطرية لا يمكن تغييرها إلا أن الضمير يمكن تدريبه ليصبح التصرف الجديد تصرّفًا تلقائيًّا، لكن السبب الرئيسي حينها يظل هو نفسه “إرضاء الذات”.
6- لو أن الوعاظ كانوا صادقين في وعظهم بدعوة الناس إلى فعل ما يرضي النفس من سلوك خيّر وفضيل لربما كان الحافز واضحًا ولترك الناس زيف المشاعر والأهداف ولحرصوا على الإكثار من فعل الخير لمحاولة إشباع أنفسهم بالشعور بالرضا.
7- إن تراكم المؤثرات الخارجية على مر السنين كفيل بأن يجعل آخر مؤثر خارجي نقطة تحول كبيرة في شخصية الفرد، قد تفسده في لحظة على الرغم من تدرّبه لسنين على الفضيلة والخلق السوي.
8- لا يمكن للإنسان التحكم بما يفكر فيه عقله ولا متى يتوقف عن ذلك. إن مواضيع التفكير وحده العقل من يحددها ويختارها وما الإنسان إلا آلة خاضعة لسلطة هذا العقل واختياراته.
9- إن العقل آلة مستقلة عن الإنسان. العقل آلة تعمل في يقظة الإنسان ومنامه ويتشعب في التفكير كيفما شاء، ولا يمكن للإنسان حصر عقله في فكرة لا تستهويه.
10- إن الإنسان لا يختلف عن الفأر في مسألة العقل والإنتاج، فكلاهما مكتشفان ولا مخترع بينهما. لا يمكن للإنسان أن يخترع فالاختراع قدرة تخص الخالق فقط، أما الإنسان -كالفأر- يجمع الأشياء فقط والاستنتاجات من واقعة ويربطها ببعضها، لينتج منها اكتشافًا أو نتاجًا آخرًا كالأعمال الأدبية.
11- لا تختلف آلة العقل في الإنسان عنها في الحيوان إلا بالمستوى. مصطلح “الغريزة” يحط من حقيقة قدرة الحيوانات على التفكير، فللحيوان عقل كما للإنسان، ولو كان ما يفعله الحيوان بفعل غريزة لما استطاع تعلم حيلًا جديدة غير مكتسبة من بني جنسه ولم يخلق مبرمجًا عليها بمجرد تغير الظروف. أما في الأخلاق فإن الحيوان يتفوق على الإنسان بمجرد حقيقة أن الإنسان قادر على ارتكاب الشر.
12- ليس هناك ما يسمى بالإرادة الحرة للإنسان بل هو الاختيار الحر. ما يعتقد الناس أنه إرادة ليس إلا اختيار بفعل قوة إلزامية. إن الاختيار الحر عند الإنسان مبني على مزاجه -الذي فطر عليه- وضميره -الخاضع للتدريب-، والفطرة وحدها قد تعيق الإنسان عن الاختيار. أما العقل فلا علاقة له باختياره إن كان بين خير وشر، بل إن الأمر عائد إلى أخلاقياته التي تعد آلة مستقلة تمامًا عن آلة العقل.
13- إن كل ما يرغب به الإنسان يكون لهدف الوصول إلى الأثر من وراء الحصول على رغبته، وإلا فلا قيمة لذاك الشيء المرغوب. أي أن كل شيء مادي هو رمز لشعورٍ ما، كل شيء مادي هو وسيلة والغاية الحقيقية من ورائها هي إرضاء الذات. فلا قيمة للمادة ما لم تكن روحية مؤثرة على النفس.
14- إن الضمير “أنا” يعبر عن الإنسان، ولكنه في كل استخدام يعبر عن جزء واحد من هذا الإنسان. أنا المادية والروحية، أي الجسدية والعقلية والمشاعرية. ليس هناك تعبير شمولي لكلمة “أنا”. فالإنسان (الآلة) هو مجموعة مركبة من الآليات المختلفة، ولا يمكن التعبير عنها جميعًا دائمًا في كلمة واحدة “أنا”.
15- إن الضمير لا يميز بين الخير والشر، فهدفه الوحيد من سلطانه عن الإنسان هو الحصول على الرضا من وراء أي فعل، ومهما تدرب على ما يهتويه صاحبه إلا أن الأولوية تظل إرضاؤه.
16- إن المزاج يخلق مع صاحبه وغالبًا ما لا يكون مكتسبًا. ومهما تلقى الإنسان من مؤثرات خارجية لن تكون كفيلة بتغيير مزاجه لأنه ثابت رغم كل محاولات الواقع وتجاربه.
تعليق: على الرغم من مخالفتي لكثير من أفكار الكتاب إلا أن إثارته للتفكير في جوانب عدة من الإنسان أمتعني، كما أحببت كيف أن الكاتب أوصل الفكرة بطرحها في حوار طويل بين شخصيتين. ما أثار تعجبي -بعيدًا عن الأفكار- أن الكتاب خلا من وجود مقدمة للمؤلف أو المترجم على الأقل لإيضاح المغزى من الحوار أو لشرح الإشكالية أو لشرح موقف المؤلف أو لذكر نبذة عنه، فلو كان الكتاب أدبيًّا -رواية أو ديوان شعر- لما وجدت المقدمة مهمة إلى هذا الحد ولكنه كتابًا فلسفيًّا صُوِّرَ بطريقة أدبية. أعتقد أنه كتاب قد أكرر قراءته لأكثر من مرة فقدرته على إعمال العقل كانت عظيمة.